المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الله يرحمك ياابي


علي بن دربي
20-05-2009, 09:45 PM
( طفـــل الماضي )

أعجبتني وأبكتني .. !!

************************

جلس الشاب مع والده المسن في حديقة المنزل ، كان الشاب منشغلا بجريدته التي استغرق في قراءتها بينما جلس الأب يتأمل الطبيعة من حوله ، التفت الأب لابنه متسائلا : ما هذا ؟ نظر الشاب فوجد عصفورا قد حط علي شجرة قريبة وأخذ يرسل ألحانه ، قال الشاب في فتور : عصفور ، كرر الأب السؤال عدة مرات وفي النهاية أجابه الابن في ضجر : لقد أخبرتك مرارا أنه عصفور .
نظر الأب إلي ابنه في أسي وقام متجها لداخل البيت وأحضر معه دفتر مذكراته وفتحه علي صفحة محددة وأعطاه لابنه طالبا منه أن يقرأها بصوت عال ، قرأ الابن : ( اليوم بلغ ابني الثالثة من عمره ، وقد أثار التفاته أثناء جلوسي معه في الحديقة عصفور حط علي الشجرة ، سألني 21 مرة ما هذا ؟ وكنت أجيبه في كل مرة بمزيد من السرور وأنا أحتضنه وأقبله )
وهنا فهم الابن الدرس وانكب علي رأس أبيه ويديه يقبلها .

الابن فلذة الكبد ، أمل أبيه في الحياة وامتداده وهو طفل المستقبل ، حبه له غريزي وفطري ورغم ما يبذله هو وأمه في سبيله فإنه يشعر بسعادة وسرور في هذا البذل والعطاء ، هو برعم أخضر يتفتح تحت عينيه ليصبح فرعا قويا يجدد شجرة العائلة ، هو فرخ صغير ذو ريش أصفر خرج من بيضته ليعطي معني جديدا للحياة ويمتعنا تأمله وهو يتحول لطائر قوي الجناحين حاد البصر ينشر ظله لحماية أبويه ورعايتهما
وإذا تأملنا حال من يتأخر إنجابه لعلمنا مدي مركزية غريزة الأمومة والأبوة في الإنسان ورغبته العارمة في احتواء طفله بين ذراعيه .

أما الأب المسن فهو الحالة العكسية للطفل إذ ينطبق عليه قول الله تعالي في سورة يس( ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون ).
عجز الطفل الصغير هو دليل البراءة وهو صفحة بيضاء نقية تريد من يسجل عليها نبض الحياة ، أما عجز المسن فهو شيخوخة الشجرة التي تهاوت وتريد من يرحمها حتي تلقي ربها ، المسن هو ( طفل الماضي ) أقصي ما يمكن تحقيقه فيما بقي له من عمر أن يختم حياته بالخير مستقبلا النهاية المحتومة ، ولذلك فإن رعايته أصعب علي النفس ، وهذا ما جعل القرآن الكريم يوصي بحسن رعاية الوالدين في الكبر في أكثر من موضع ففي سورة الإسراء ( وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) .

يقول تعالي ( إما يبلغن عندك الكبر ) ولنتأمل ( عندك ) في بيتك وفي أعز مكان منك وليس ( في دار المسنين ) وليس ( وحيدا في بيته ) ولكن ( عندك ) لا تقل ( أف ) فوالدك لم يقلها لك وأنت قطعة من اللحم الطري لا تدرك من أمر نفسها شيئا ، ولم يقلها وأنت مراهق لك متاعبك ومطالبك ، وهذه هي الحالة الوحيدة التي يصبح الذل فيها أمرا مستحسنا فاخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا .

رعاية الوالدين في الكبر تدل علي كرم النفس ونبلها وقدرتها علي العطاء ، وتدل أيضا علي صدق التوجه لله وابتغاء مرضاته ،الوالدين حتي في حالة الضعف والشيخوخة هما أعظم أسباب الطمأنينة في حياة المرء بل إن الإنسان يظل يشعر ببراءته وصغر سنه ما دام والديه علي قيد الحياة فإذا فقدهما شعر فجأة بمرور العمر .
الجلوس إلي الوالدين متعة لا تعادلها متعة لمن رزقه الله برهما ، يشعر الابن معهما أنه يغسل كروبه ويتخلص من متاعب الحياة وهو في كنف قلوب مفعمة بالرحمة والحب الخالص له ، وحين يتبادل الحديث معهما يشعر أنه استعاد عمره من أوله وتغزوه بهجة طاغية أثناء تداول تلك الحكايات المعادة المكرورة التي يسمعها للمرة الألف وكأنها أول مرة .


ليتك يا أبي تجلس معي في الحديقة وتسألني ( ما هذا ؟ ) لألقي بجريدتي المليئة بالفواجع أرضا وألتفت إليك وأقول ( هذا عصفور ) وكلما كررت السؤال استمتع أكثر بالإجابة وأقبل رأسك ويديك وتطول اللحظة حتي أتمني ألا تنتهي أبدا ، ولكن أني لي تحقيق هذا الحلم !
رحمك الله رحمة واسعة يا أبي . منقول