عرض مشاركة واحدة
 
 
  #1  
قديم 04-10-2010, 07:10 PM عبدالله البشري غير متواجد حالياً
الصورة الرمزية عبدالله البشري
 
عضو مشارك
 


افتراضي ***** الموتــــى لايكـذبـــون *****

قبل ثلاثه اعوام تقريباً كنت متواجد في المنطقه الشرقيه00لدى أحد أشقائي00

وذهبت باالصدفه معه لزيارة أحد اصدقائه وهو من دولة الاردن ويدعى د / بهجت// رجل آديب ومثقف
وكان لديه مكتبه لم تكن بذلك الكٌبر بحكم عمله وضيق وقته00 وعندما كنت اتجاذب اطراف الحديث مع اخي ونحن واقفان امام احد الرفوف00أشارلي بااصبعه على كتاب وقال اقرءه00
سوف تعجب به00 هذا الكتاب كان قصة قصيرة من الادب الفرنسي00 وهو للكاتب دي جي موباسان
وهو يعد افضل كاتب للقصة القصيرة في العالم00الحقيقيه اعجبت بهذه القصه اشد الاعجاب وخصوصاً
عندما مارأيت ان الكتاب قديم الطبعه00وصاحبه قال انه غير متواجد باالاسواق00فبدئت اللمّح لدكتور بهجت بااعجابي باالكتاب لعلي احصل عليه 00ولكن دون جدوى 00 وبعد ان ذهبت انا واخي وفي اليوم التالي تقابل مع شقيقي وباالصدفه وجد مجموعة قصائد مطبوعة في سيارته00 وسأله لمن هذه القصائد فاأخبره انها لي فاأبدى اعجابه بها 00وفي نفس الليله ارسل لي الكتاب وعليه إهداء بخطه
واسمه لاإعاجبه باأحدى قصائدي00فلما وقعت القصه بين يدي نوهت عن تلك القصة في مجلة المرقاب التي كنت كاتب بها 00
تمنيت ان يقرئها كل من يقرئ لي00 وها أنا هنا اوردها لكم واتمنى ان تنال استحسانكم

***** الموتــــى لايكـذبـــون *****

أحببتها حتى كدتُ أجن بها ! .. ولستُ أدري لماذا يُحب الناس ويجنون00 لماذا؟ أليس عجيبا ألا يحلو في عين المحب إلا حبيبه 00 ولا تشتعل في جوانحه رغبة إلا فيه00 ؟ أليس عجيبا ألا يخطر على البال إلا اسمه ! ..أجل 00 اسم واحد في هذا الوجود يساوره بلا انقطاع متدفقا كالنبع من أغوار النفس إلى الشفتين ..اسم يردده اللسان00 فلا يمل ويهمس به كالدعاء في الصلاة كل لحظة00 !
هذه قصتي أسردها عليكم ..أجل قصتي أنا وحدي ، وإن كان الحب قصة واحدة لا تتغير ..قصة واحدة في كل زمان ومكان ..لقاء فحب ..هذه قصتي ..قضيت سنة كاملة يلامسني حنانها00 وينعشني تدليلها ..سنة كاملة قضيتها بين ذراعيها 00 أستاف عبير ثيابها وألتصق بها حتى يصبح كل منا جزء من حبيبه !
ثمّ …ثمَّ ماتت! لا أدري كيف ماتت ، فقد عادت ذات مساء وقد بللها المطر ثم اعتراها سعال شديد ألزمها الفراش اسبوعا كاملا.ولست الآن بذاكر ما حدث سوى أن الأطباء حضروا وكتبوا وانصرفوا00وأن العقاقير استحضرت واستعملت ..وكانت يداها ساخنتين وكانت الحرارة تشع من جبهتها00 أما عيناها فكانتا تلمعان تحت ظلال الوجوم والأسى0 ! ثم غاب عن ذاكرتي كل شيء..كل شيء لقد انتهت !
ولم أذكر شيئا بعد ذلك00رأيت الكاهن يقول لي"خليلتك" فشعرت أنه أهانها بهذه الكلمة فطردته من بيتي 00 وجاء بعده كاهن رقيق الحاشية عزاني وتحدث لي عنها ..ثم شيعت إلى مدينة الموتى ودفنت..أجل دُفنت ..هي..هي في تلك الحفرة ولم أطق البقاء هناك فأسرعت إلى المنزل لاهثا من التعب وفي اليوم التالي رحلت عن باريس!
عدتُ أمس إلى باريس وما أبصرتُ حجرتي حجرتنا وفراشنا وأثاثنا 00كل ما يبقى من حياة الإنسان بعد الموت..حتى كتم الحزن أنفاسي ومزق قلبي فكدتُ أقذف بنفسي من النافذة..
إنه لا طاقة لي على البقاء في مكان كان يضم نفسين متحابتين00ولا قدرة لي على الحياة بين جدران تحتفظ بألوف من ذكرياتها وأنفاسها!
وفي لحظة واحدة حملت قبعتي واتجهت إلى الباب هرباً من ذلك المكان فإذا بمرآه في حجم الإنسان تعترضني ..في هذه المرآه كانت حبيبتي ترى صورتها الفاتنة 00دعني أقبّل هذه المرآة00ولكن
وا أسفاه إنها باردة كالموت..يآلها من ذكرى ! إنها مرآه حزينة مؤلمة مزعجة00ما أسعد العاشق الذي يستطيع أن ينسى الذكريات ويدفن الماضي00!
وفي الحال اندفعتُ إلى حيث لا أدري و إلى حيث لا أريد00إنني في المقبرة00أمام قبرها المتواضع00نظرت إليه00فإذا شاهد من المرمر يعلوه وقد نقشت عليه ثلاث كلمات لا غير " أحبَّتْ، وأحبَّتْ، وماتت"!
هنا رقدت وهنا تبلى عظامها ..ما أفظع الحياة! لقد بللت القبر بدموعي وركعتُ إلى جواره حتى جنَّ الليل 00 فأخذتُ أتجول بين القبور ..في مدينة الأموات هائماً على وجهي ..ما أصغرها إذا قيست بمدينة الأحياء00! ولكن ما أكثر عدد الموتى إذا قيس بعدد الأحياء.
لم يكن ثمة أحد سواي فقبعت تحت شجرة كثيفة الأغصان متعلقا بجذعها ثم أخذتُ أجوب المكان بتؤدة وهدوء حتى لا يسمع وقع قدمي أحد ولكني ضللتُ السبيل ولم أستطع العودة إلى قبرها ..وكنتُ أتعثّر في الأحجار والأشجار وتصطدم يداي وقدماي وركبتاي بلوحات الرخام ويتخبط رأسي وصدري بالقبور ..كان الظلام حالكً فتملكني الخوف00ونال مني الجهد فجلستُ على أحد القبور التي تملأ المكان بيد أني سمعتُ شيئا00ماذا00؟ انها ضوضاء00 أم لعلها مجرد أصوات تدوي في رأسي المضطرب00؟
وفجأة شعرتُ كأن لوحة الرخام التي كنتُ جالساً عليها تتحرك تحتي00فوثبتُ من مكاني وانتقلتُ إلى القبر المجاور فإذا بالحجر الذي كنتُ جالسا عليه يتحرك00يرتفع00ظهر الميت00كان هيكلا عاريا00ًلقد رأيته بوضوح رغم الظلام الحالك00وعلى الشاهد فوق القبر كُتبت هذه العبارة " هنا يرقد جاك أولفيان00مات في الحادية والخمسين من عمره وكان محبا لأسرته عطوفً نبيلا كريم الخلق00وقد عاش ومات في حمى ربه ونعمته"00أخذ الميت يحملق في بمحجرته في ما كتبه الأحياء على قبره ثم تناول قطعة من الصوان وأزال الكتابة ..وشرع في نقش عبارة أخرى في مكانها برأس العظمة الباقية من اصبعه وما كاد يفرغ حتى ظهرت حروفها أمام عيني كالنار00فقرأتُ هذه العبارة"هنا يستريح جاك أولفيان00فارق الحياة في الواحد والخمسين من عمره بعد أن عجّل بموت والده ليرثه وعذب زوجته وقسى على أطفاله00 وخدع جيرانه00 ونهب كل ما استطاع نهبه ومات تعيسا"..
ثم وقف صامتً كالحجر يتأمل ما كتب 00وتلفتُ حولي فإذا القبور كلها قد فتحت وخرج منها أصحابها يمحون الأكاذيب ويثبتون الحقائق فتبين لي أن بين هؤلاء الموتى لصوصً وقطاع طرق ومجرمين وخبثاء ومنافقين00ولكن أهليهم خلعوا عليهم صفات الملائكة فكنتُ أقراء ان هذا كان أباً رحيما وهذه كانت زوجة وفيه وتلك عذراء طاهرة وهذا خدم الانسانية أجل لقد استيقظ الموتى جميعا وأخذوا يكتبون في آن واحد على ألواح الرخام الحقائق المره التي كان يجهلها الجميع أو يتجاهلونها!
وهنا تذكرتُ شيئا فأطلقتُ ساقي للريح ..نعم لعلها هي أيضا ..حبيبتي كسائر الموتى كتبت عبارة جديدة على قبرها ..وطفقتُ أعدو وسط الأكفان والهياكل العظيمة ، حتى وجدتها ..هاهي وهذا وجهها ..أما العبارة الأولى " أحبَّتْ وأحبَّتْ وماتتْ " فقد قرأتُ مكانها العبارة التالية "خرجت ذات ليلة ممطرة وخانت حبيبها فأصيبت ببرد شديد وماتت"..!

جي دي موباسان
التوقيع:
..

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


..
رد مع اقتباس